السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وصلنا أخيراً نبأ وفاة بابا الفاتيكان، فرأينا الكثير من المسلمين يتباكون
ويعزون في وفاته، وسؤالي فضيلة الشيخ، وأرجو ألا تتأخروا في الإجابة
لأهمية الأمر:
أولاً: هل هذا البابا كافر أم مسلم؟
ثانياً: هل يجوزالدعاء له بالرحمة؟
ثالثاً: هل يجوز لعنه والدعاء عليه؟
رابعاً: هل الترحم عليه والحزن لأجله من الموالاة الناقضة للإسلام أم لا؟
أرجو الإجابة بأسرع ما يمكن لأهمية الأمر، وجزاكم الله خيراً.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإن مما ابتليت به الأمة في عصورها المتأخرة كثرة الجهل وضعف العلم، مع كثرة قرائها وكتابها، ومن
أثر ذلك ضعف معالم الولاء والبراء، والجهل بالبدهيات من أمور العقيدة، والرقة بالدين، ومداهنة أعداء
الله.
وبعض ما ذكره السائلون يندرج في هذا الباب مثل السؤال هل البابا كافر أو مسلم، فإذا لم يكن البابا
كافراً فمن الكافر، وهل عن مثل ذلك يسأل لولا ما ذكرت، وقريب منه الدعاء له بالرحمة، والله
المستعان.
وأشك في صحة النقل بأن أحد المشايخ يوجب الترحم عليه، ولا يقول بذلك من له أدنى علم بالشرع
فضلاً عن أن يكون من المشايخ، ولكن لعل السائل نقل له ذلك، أو التبس عليه ما قال، فإن ثبت ذلك فلا
نقول: إلا حسبنا الله ونعم الوكيل، قال سبحانه: {ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئاً} [المائدة /41]، وخلاصة الأمر:
1 - البابا كافر، لا شك في كفره، ووصيته وشهادة قومه تؤكد أنه مات على ذلك، وما شهدنا إلا بما علمنا.
2 - لا يجوز الترحم عليه، وهذا من الدعاء المنهي عنه، قال سبحانه: { ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أنْ
يسْتغْفروا للْمشْركين ولوْ كانوا أولي قرْبى منْ بعْد ما تبيّن لهمْ أنّهمْ أصْحاب الْجحيم}
[التوبة:113]، وقال سبحانه: {ولا تصلِّ على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله
ورسوله وماتوا وهم فاسقون} [التوبة:84]، والبابا مشرك؛ لأنه يعتقد أن عيسى ابن الله تعالى الله عما
يقولون: {وقالت النّصارى الْمسيح ابْن اللّه} [التوبة: من الآية30]، ويقول بعقيدة التثليث، وهذا من
بدهيات عقيدة النصارى.
3 - أما لعنه، فالصحيح أنه يجوز لعن من مات كافراً، أما إعلان اللعن والدعاء عليه فتراعى فيه قاعدة
المصالح والمفاسد -كما قرر أهل العلم-.
4 - أما التعزية، ففيها تفصيل:
إن كان المراد تعزية أهله وقرابته لا أهل ملته، فقد كرهه بعض السلف، لكن الراجح جواز ذلك؛ لأن من
السلف من عزى أهل الذمة في أمواتهم، ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله في كتابه الرائع: (أحكام أهل الذمة)
ج1/ص438 "فصلٌ في تعزيتهم".
لكن يجدر التنبيه إلى أنه لا يجوز في التعزية الدعاء للميت بالرحمة ولا لأهله الكفار بحصول الأجر
والثواب، كما يقال ذلك للمسلمين؛ لأن الله لا يقبل من الكافر عملاً ولا طاعة حتى يسلم، وإنما يقال:
أخلف الله لكم خيراً منه، ونحو ذلك من الكلمات، كما ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله قال في: (أحكام أهل
الذمة ): " قال الحسن إذا عزيت الذمي فقل لا يصيبك إلا خير، وقال عباس بن محمد الدوري: سألت أحمد
بن حنبل قلت له: اليهودي والنصراني يعزيني أي شيء أرد إليه، فأطرق ساعة ثم قال: ما أحفظ فيه
شيئاً، وقال حرب: قلت لإسحاق: فكيف يعزي المشرك قال: يقول أكثر الله مالك وولدك".أ.هـ.
أما تعزية أهل ملته إذا مات منهم قسيس ونحوه فلا يجوز؛ لأن مفسدتها تربو على مصلحتها، وحيث يوهم
الجهال بأن ما هم عليه حق، وبذلك فيغتر أهل الكتاب والمسلمون على السواء، بل إن تعزيته وبخاصة إذا
كان معظماً فيهم كالبابا، أشد أثراً وخطراً من مجرد تهنئتهم على عيدٍ أو شعيرةٍ دينية، وهذا أمرٌ لا
يخفى قال الشيخ محمد بن عثيمين في حكم تعزية الكافر: "والراجح أنه إذا كان يفهم من تعزيتهم إعزازهم
وإكرامهم كانت حراماً، وإلا فينظر في المصلحة" (مجموع فتاواة 2/303).
والذي يطالع كثيراً مما كتبته بعض وسائل الإعلام حول وفاة البابا يحزن لما وصلت إليه حال كثير من
المسلمين، حتى إن بعضهم يمدحه بأنه خدم أهل ملته ونشر دينه، وصاحب هذا القول يخشى عليه؛ لأن
خدمته لدينه هو نشر الكفر والشرك وحرب الإسلام كما هو مشاهد وواقع، نسأل الله أن يلطف بنا ولا
يؤاخذنا بما فعل السفهاء والجهّال منا.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
نقلاً عن موقع فضيلة الشيخ ناصر العمر على شبكة الإنترنت.
وهذا الكلام ينطبف على وفاة شنودة أيضاً